responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 118
اخْتِيَارِيٌّ لِلْحَيَوَانِ، وَلَكِنْ لَا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّ الْمَاءَ فِي الْهَوَاءِ مِنْ جِهَةِ فَوْقٍ لَيْسَ طَبْعًا فَإِنَّ الْمَاءَ لَا يَكُونُ بِطَبْعِهِ فَوْقَ وَلَا اخْتِيَارًا، إِذِ الْمَاءُ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فَهُوَ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ الثَّانِي: هُوَ أَنَّ إِنْزَالَ الْمَاءِ نِعْمَةٌ ظَاهِرَةٌ مُتَكَرِّرَةٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ، مُتَكَثِّرَةٌ فِي كُلِّ مَكَانٍ، فَأَسْنَدَهُ إِلَى نَفْسِهِ صَرِيحًا لِيَتَنَبَّهَ الْإِنْسَانُ لِشُكْرِ نِعْمَتِهِ فَيُزِيدَ لَهُ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ أَيْ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ، وَكُلُّ جِنْسٍ فَتَحْتَهُ زَوْجَانِ، لِأَنَّ النَّبَاتَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ شَجَرًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ شَجَرٍ، وَالَّذِي هُوَ الشَّجَرُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُثْمِرًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُثْمِرٍ، وَالْمُثْمِرُ كَذَلِكَ يَنْقَسِمُ قسمين، وقوله تعالى: كَرِيمٍ أَيْ ذِي كَرَمٍ، لِأَنَّهُ يَأْتِي كَثِيرًا مِنْ غير حساب أو مكرم مثل بغض للمبغض. ثم قال تعالى:

[سورة لقمان (31) : آية 11]
هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (11)
قَوْلُهُ تَعَالَى: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ يَعْنِي اللَّهُ خَالِقٌ وَغَيْرُهُ لَيْسَ بِخَالِقٍ فَكَيْفَ تَتْرُكُونَ عِبَادَةَ الْخَالِقِ وَتَشْتَغِلُونَ بِعِبَادَةِ الْمَخْلُوقِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ أَيْ بَيِّنٍ أَوْ مُبِينٍ لِلْعَاقِلِ أَنَّهُ ضَلَالٌ، وَهَذَا لِأَنَّ تَرْكَ الطَّرِيقِ وَالْحَيْدَ عَنْهُ ضَلَالٌ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الْحَيْدُ يُمْنَةً أَوْ يُسْرَةً فَهُوَ لَا يَبْعُدُ عَنِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ مِثْلُ مَا يَكُونُ الْمَقْصِدُ إِلَى وَرَاءٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ غَايَةَ الضَّلَالِ، فَالْمَقْصِدُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، فَمَنْ يَطْلُبْهُ وَيَلْتَفِتْ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الدُّنْيَا وَغَيْرِهَا فَهُوَ ضَالٌّ، لَكِنَّ مَنْ وَجْهُهُ إِلَى اللَّهِ قَدْ يَصِلُ إِلَى الْمَقْصُودِ وَلَكِنْ بَعْدَ تَعَبٍ وَطُولِ مُدَّةٍ، وَمَنْ يطلبه ولا يلتفت إلى ما سواه يكون كَالَّذِي عَلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ يَصِلُ عَنْ قَرِيبٍ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ. وَأَمَّا الَّذِي تَوَلَّى لَا يَصِلُ إِلَى الْمَقْصُودِ أَصْلًا، وَإِنْ دَامَ فِي السَّفَرِ، وَالْمُرَادُ بِالظَّالِمِينَ الْمُشْرِكُونَ الْوَاضِعُونَ لِعِبَادَتِهِمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا أَوِ الْوَاضِعُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي عِبَادَةِ غير الله. ثم قال تعالى:

[سورة لقمان (31) : آية 12]
وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ لَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ فَسَادَ اعْتِقَادِهِمْ بِسَبَبِ عِنَادِهِمْ/ بِإِشْرَاكِ مَنْ لَا يَخْلُقُ شَيْئًا بِمَنْ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ بِقَوْلِهِ: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَبَيَّنَ أَنَّ الْمُشْرِكَ ظَالِمٌ ضَالٌّ، ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ضَلَالَهُمْ وَظُلْمَهُمْ بِمُقْتَضَى الْحِكْمَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نُبُوَّةٌ وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى مَعْنًى، وَهُوَ أَنَّ اتِّبَاعَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَازِمٌ فِيمَا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ إِظْهَارًا لِلتَّعَبُّدِ فَكَيْفَ مَا لَا يَخْتَصُّ بِالنُّبُوَّةِ، بَلْ يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ مَعْنَاهُ وَمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُدْرَكٌ بِالْحِكْمَةِ وَذَكَرَ حِكَايَةَ لُقْمَانَ وَأَنَّهُ أَدْرَكَهُ بِالْحِكْمَةِ وَقَوْلُهُ:
وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ عِبَارَةٌ عَنْ تَوْفِيقِ الْعَمَلِ بِالْعِلْمِ، فَكُلُّ مَنْ أُوتِيَ تَوْفِيقَ الْعَمَلِ بِالْعِلْمِ فَقَدْ أُوتِيَ الْحِكْمَةَ، وَإِنْ أَرَدْنَا تَحْدِيدَهَا بِمَا يَدْخُلُ فِيهِ حِكْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى، فنقول حصول العلم عَلَى وَفْقِ الْمَعْلُومِ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ تَعَلَّمَ شَيْئًا وَلَا يَعْلَمُ مَصَالِحَهُ وَمَفَاسِدَهُ لَا يُسَمَّى حَكِيمًا وَإِنَّمَا يَكُونُ مَبْخُوتًا، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ يُلْقِي نَفْسَهُ مِنْ مَكَانٍ عَالٍ وَوَقَعَ عَلَى مَوْضِعٍ فَانْخَسَفَ بِهِ وَظَهَرَ لَهُ كَنْزٌ وَسَلِمَ لَا يُقَالُ إِنَّهُ حَكِيمٌ، وَإِنْ ظَهَرَ لِفِعْلِهِ مَصْلَحَةٌ وَخُلُوٌّ عَنْ مَفْسَدَةٍ، لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهِ أَوَّلًا، وَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّ الْإِلْقَاءَ فِيهِ إِهْلَاكُ النَّفْسِ وَيُلْقِي نَفْسَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَتَنْكَسِرُ أَعْضَاؤُهُ لَا يُقَالُ إِنَّهُ حَكِيمٌ وَإِنْ عَلِمَ مَا يَكُونُ فِي فِعْلِهِ، ثُمَّ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَوْلُهُ تَعَالَى:

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 118
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست